كانت كلمات الإمام الحسين (عليه السلام) تحمل الإصلاح لكلّ أبعاد الحياة، حيث شملت الإصلاح الفكري للردّ على الاستلاب الثقافي الذي كان مفروض على الأُمّة الإسلامية. وكانت كلماته (عليه السلام) تحمل الإصلاح السياسي في مواجهة الانحراف السياسي المرتبط بشؤون الحكم والخلافة والإدارة والقضاء والسلم والحرب وغير ذلك. كانت شعارات الحسين (عليه السلام) تحمل الإصلاح الاجتماعي في مواجهة الانحراف الذي أصبح طابع الحياة الاجتماعية في ذلك العصر.
لذلك، كانت انطلاقة الإمام الحسين (عليه السلام) هي الصدمة التي أراد من خلالها أن يصدم الواقع حتى يهزّه هزّة عنيفة من الأعماق، من أجل أن تؤثر تلك الصدمة في المستقبل عندما ينفتح الناس على قضية الحسين (عليه السلام) ليفكّروا، كيف انطلقت؟ وكيف عاشت؟ وكيف تحركت؟ لهذا، فإنّ أسلوب الإمام الحسن (عليه السلام) كان أسلوب المرحلة في حركة الإسلام وأسلوب الإمام الحسين (عليه السلام) كان أسلوب المرحلة أيضاً. إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) ضحّى بنفسه وبنفوس أطهر الناس في زمانه من أجل أن يعمل الناس بأحكام الدِّين، لماذا؟ لأنّ السعادة رهن العمل بأحكام الدِّين، ولأنّ العدالة كامنة في العمل بأحكام الدِّين، ولأنّ الحرّية والتحرّر الإنساني منوطان بالعمل بأحكام الدِّين.
إنسان اليوم من حيث حاجاته الرئيسية لم يختلف أدنى اختلاف عن الإنسان قبل ألف عام والإنسان قبل عشرة آلاف عام. حاجات الإنسان الرئيسية هي أنّه يريد الأمن، ويريد الحرّية، ويريد العلم والمعرفة، ويريد الحياة المريحة. إنّه ينفر من التمييز والظلم، هذه الحاجات الأصلية لا يمكن تأمينها إلّا ببركة الدِّين الإلهي.
إنّ معرفة الحسين (عليه السلام) ترفع من درجتنا عند الله، وترفعنا إلى مستوى الإنسانية، وتجعلنا أحراراً، ومن أهل الحقيقة، وأهل العدالة، وتجعلنا نصبح مسلمين واقعيين وحقيقيين.
كان الحسين (عليه السلام) القائد الذي يخطط انطلاقاً من مبادئه وأخلاقه النبويّة، فلم يلجأ أبداً لأي أسلوب يتعارض مع ذلك الصفاء الإيماني خصوصاً على صعيد استقطاب الأنصار، وحرص على الوضوح والشفافية والصراحة معهم، وهذا الإخلاص والنقاء والطهارة في العمل الثوري أعطى الحسين (عليه السلام) بُعداً إنسانياً، وتحوّل إلى نموذج إنساني عالمي، وقدوة لكثير من المفكرين والسياسيين والثوار مسلمين ومسيحيين وهندوس وعلمانيين.
نظّم الحسين (عليه السلام) عاشوراء الزمان وكربلاء المكان في سلك الشهادة، ووضعها قلادة على جيد التاريخ، تاريخ الإصلاح، فتحوّلت بعده كلُّ ذكرى للزمن إلى عاشوراء، وأضحت كلّ مناسبة للمكان كربلاء. مات الحسين (عليه السلام)، ولكنّ موته لم يكن أبداً هموداً ولا رقوداً، بل هو خروج الحركة عن قطبها لتحلّ منتشرة في ثوّار كُثر، ففي روح كلّ مصلح لمعة من روحه، وفي ضمير كلّ مجاهد قبسات من عطائه. الحسين (عليه السلام) في حياته، وبعد استشهاده، إنسان عظيم تهواه الصدور، وشخصية متفوقة لا تتسع لها السطور، والشخصية الكبيرة من الناس هي السدرة التي ينتهي التاريخ إليها مفاخراً بحقِّ. ولمَ لا يكون الحسين كذلك، وهو من انبثق من عظمة النبوّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) فكان السبط الحبيب، ومن عظمة الرجولة عليّ (عليه السلام) فكان الابن الأريب، ومن عظمة الفضيلة فاطمة (عليها السلام) فكان البضعة التي تعني في الصلة والوصال أكثر مما يعنيه القريب. سيبقى الحسين (عليه السلام) الثائر يعلّم الناس من خلال ثورته كيف يموتون، لأنّ الموت فنٌ كالحياة، فمن لم يختر الشهادة النبيلة فسيختاره الموت الوضيع، والشهادة قيمة طغراء في صفحة الولاء بعد الثناء.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق